حقوق المرأة في الإسلام “بنتاً – زوجة – أماً”

حقوق المرأة في الإسلام

يفرض الإسلام العديد من الحقوق الكثيرة للمرأة، وذلك بإعتبار أن المرأة تعد «زوجة وأماً وبنت»، ولعل أبرز المقولات التي وصفت وضع المرأة أيام الجاهلية، ما قاله «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه، حيث قال: «والله إنا كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى جاء الإسلام، وأنزل الله فيهن قرأنا وقسم لهن ما قسم»، ويتضح لنا ما منحة الإسلام للمرأة من عزة ورفعة، وخلال السطور التالية، سوف نعرض لكم حقوق المرأة في الإسلام، باعتبارها زوجة وبنت وأم.

أولاً: حقوق البنت «البِكر» في الإسلام

فللبنت حق التربية المنزلية، ما دامت في بيت والديها، ومادامت لم تبلغ الرشد فهما أوصياء عليها بحق الأبوة، وحق الدين، فالبيت الذي يقوم على تربية بناته تربية رشيدة، ويغرس فيهن محاسن الصفات، بيت جدير بأن يلجأ إليه الرجل، لـ يبحث فيه عن شريكه حياته، وفي ذلك يقول الرسول ﷺ، فيما رواه «ابن عباس» رضي الله عنه: «من كانت له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، فعلمهن وأدبهن، واتقى الله فيهن، حتى يغنيهن الله، فله الجنة البتة»، فسأله بعض الصحابة: أو بنتان أو أختان يارسول الله؟، فأجاب: أو بنتان أو أختان.

وفي رواية لمسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: «من عال جاريتين حتى تبلغا يوم القيامة أنا وهو كهذا»، قال الراوي ضم رسول الله ﷺ، أصابعة تعبيراً عن شدة القرب والإلتصاق.

لأن التربية الرشيدة تنشئة للأولاد على أسس قويمة، وخلق حسن، وفاقد الشئ لا يعطيه، فإذا لم تكن الأم حسنة التنشئة، فلا يمكن أن تحسن تنشئة الغير، ولا أن تقوم عليهم بما ينبغي، ولذلك قال الرسول ﷺ: «تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس»، وقال: «تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن».

وللبنت حق النفقة والكفالة من الاب بكراً وثيباً، أما كونها بكراً، فلها حق النفقة من ولي أمرها حتى يتم زواجها، وحينئذ ينتقل هذا الحق إلى عنق الزوج، وأما كونها ثيباً، ففي حالة طلاقها، أو موت زوجها المعدم عنها، فإن هذا الحق يعود إلي ذمة أبيها، ولا يحق للأب أن يجبر ابنته على العمل وطلب الرزق، وذلك حماية لشرفها، ورعاية لسلامة المجتمع، وقد نبه الرسول علي هذا الباب، وبين فضلة، فقال: «ألا أدلكم علي أفضل الصدقة، ابنتك مردودة إليك، و ليس لها كاسب غيرك».

فالرسول عليه السلام يوضح أن من أعظم الصدقات، وأفضل القربات قيام الأب بأوجه الإنفاق، على ابنته في حالة عودتها إليه بسبب طلاقها أو موت زوجها.

وللبنت الحق التعليم والتثقيف بعد حق التربية والتهذيب، بل هو واجب لها، ومن هنا سمعنا رسول الله ﷺ يقول: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، أي على كل من اتصف بالإسلام ذكراً أو أنثي.

كما للبنت أيضاً الحق في إختيار الزوج الذي تريده الذي تريده شريكاً لها في حياتها، وذلك أخذاً من ثبات حقها المشروع في إبداء الرأي وحرية التفكير، فلا حجر ولا مصادرة لحريتها الفكرية، وليس لوليها أن يختار لها شخصاً معيناً حرصاً منه علي مال أو طمعاً في منصب رفيع، وإن كان له حق التحري والنصيحة والتوجيه، لقول الرسول ﷺ: «لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر»، وقالوا وما أذنها يا رسول الله؟، قال «صماتها أي سكوتها»، لأنها قد يغلبها الحياء ويأخذها الخجل، فتسكت عن إظهار رغبتها وليس لوليها أن يجبرها علي غير من ترضاه.

لما رواه «الإمام أحمد» في مسنده، أن فتاة جاءت إلى رسول الله ﷺ، وقالت يا رسول الله، إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة فجعل رسول الله ﷺ الأمر إليها إن شاءت وافقت وإن لم تشأ رفضت، فقالت «قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن يعلم النساء إنه ليس إلي الأباء من الأمر شيء».

وقد روي أن خنساء بنت خذام الأنصارية زوجها أبوها وهي ثيب من غير استثمارها، فكرهت ذلك فأتت رسول الله ﷺ وأخبرته، فأبطل نكاها.

بل امتدت هذه الحرية الشخصية تحت كفالة الشرع الحنيف حتي وسعت «الإماء»، فهذه «بريرة» تلك الجارية التي كانت تعمل في خدمة السيدة عائشة أم المؤمنين، وقد أعتقها، أصبح لها حق الطلاق، وخيرها رسول الله بين ترك زوجها وبين البقاء معه، فأثارت تركه، فكان مغيث يتوجع ويبكي، لانه كان يحبها حباً جماً، أما هي فلم تأبه لذلك، ولجأ مغيث إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، كي يستشفع له عند «بريرة»، فقال لها: لو راجعته، فقالت أتأمرني يا رسول الله؟، قال: إنما شافع، قالت لا حاجة له فيه، فتعجب رسول الله لهذا الموقف من «بريرة»، وقال لعمة العباس: يا عم ألا تعجب من حب مغيث لبريرة وبغضها إياه.

ومن خلال هذه الصورة نلمس أن المرأة بكراً كانت أم ثيباً، إذا رضيت لنفسها أحد الأزواج، ولم يقبله ولي أمرها، بل رفضه وحظره عليها، فلها أن تلجأ للقاضي، ليتولى عقد نكاحها من هذا الزوج الذي اختارته، شريكاُ لها في حياتها بمحض إرادتها، ويري بعض العلماء أن لها أن تزوج نفسها دون اللجوء إلي القاضي، شريطة أن يكون الزوج كفأ، وليس لوليها حق الإعتراض إلا عند إنعدام الكفاءة، ومعايير الكفاءة تتضح في فارق السن، والمركز الإجتماعي والثقافي، وإذا كانت العلاقة الزوجية تقوم أساساً على الروابط الأسرية والعشائرية، التي يهمها شرط الكفاءة حتى لا يلحقها عار، ومن هنا فلها في حالة عدم توافر هذا الشرط، أن يلجأ الأولياء إلي القضاء فهو الفيصل في هذا المجال.

والوقت الذي يأخذ المشرع فيه بمبدأ الكفاءة، وهو وقت قيام العقد فلو كانت الكفاءة متوافرة حالة وقوع العقد، ظلت معتبرة، وسارية المفعول، ولا تسقط بتغير الحال، وتعتبر الكفاءة غالباً بالنسبة للزوج، وذلك أخذاً من حديث الرسول ﷺ: «ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجهن إلا من الأكفاء»، وجرى العرف أن زواج الرجل العظيم ممن هي دونه لا يحط من شأنها، لأنه عادة يرفعها إلي مستواه، وتحمل إسمه، أما المرأة العظيمة إذا تزوجت بمن هو أقل منها، فإن ذلك يحط من شأنها، ولا سيما وأن له شرعاً القوامة والهيمنة علي البيت.

وقد أعتبر الشافعي في الكفاءة شرط: النسب، والحرية، والتدين، والحرفة، والسلامة من العاهات، والغني، والسن، وذهب آخرون كـ المالكية وإبن حزم الظاهري، إلى أن الكفاءة ليست بشرط في الزواج، لأن الإسلام سوى بين الجميع، وصدق الرسول ﷺ، حيث قال: «الناس سواسية كأسنان المشط،ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»، واحتجوا بزواج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش.

ثانياً: حقوق الزوجة في الإسلام

أعطي الدين الإسلامي الحنيف العديد من الحقوق للزوجة المسلمة، وحقوق الزوجة في الإسلام، هي كالتالي:

للمرأة بإعتبارها زوجة حق المهر

ويجب تعيينة وتسميته عند عقد النكاح، فإن لم يعين وجب لها مهر المثل أي مثلها «من حيث المستوي الإجتماعي»، ويتقدم به الزوج جاعلاً منه عربوناً لتكريمة، ورمزاً لإرتباطه، ومنحه للزوجة التي فضلها علي غيرها شريكة لحياته، حتي يحفظ عليها كرامتها وحياءها، وليس من الحكمة التدخل في تحديد المهور، فكل ميسر لما خلق له، وكل علي قد طاقته، فالمهر حق خالص للزوجة، وصدق الله حيث قال: «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا – سورة النساء (20)»، وقال أيضاً «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ – سورة النساء (24)»، فالمهر هنا جعله الله فريضة في مقابل الإستمتاع بالزواج، ويؤيد ذلك قوله: «وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ – سورة النساء (24)»، وذهب فريق من العلماء إلي إنه ليس في مقابل الإستمتاع، ولكنه شرع لبيان شرف العقد، وذلك لقولة سبحانه: «وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ – سورة النساء (4)»، فالصدق هنا من قبيل الهبة والهدية اللازمة، وفي ذلك يقول «الكمال بن الهمام»: «إن المهر شرع إبانة لشرف العقد، وإظهار خطره، وإذا لم يشرع بدلاً كالثمن والاجرة، وإلا لوجب تقديم تسميته، والنتيجة أن المهر في حكم العقد، ولا يشترط لصحة العقد أن ينص علي حكمه، كالمللك لا يشترط لصحة بيعه ذكره».

وهذا يدعونا إلي القول: بأن المهر حقيقته حكم من أحكام العقد الصحيح، وليس شرط ولا ركناً من أركانه، ومن ثم يصح العقد من غير تسميته مهر، ويؤيد ذلك قوله سبحانه: «قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ – سورة الأحزاب (50)»، وقوله: «لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ – سورة البقرة (236)»، وقد سئل عبد الله بن مسعود، ذلت مره عن إمرأة مات عنها زوجها، ولم يحدد لها مهراً أو يسميه، وفي الوقت نفسه لم يدخل بها، فقال: «أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان: أري لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط، فقام رجلان وقالا: نشهد أن سول الله صلوات الله وسلامه عليه قد قضي في إمرأة يقال لها “بروع بنت واشق”، كما قضيت، ففرح ابن مسعود وسر سروراً لم يسر مثله قط – بعد إسلامه – لموافقته قضاء سول الله».

للزوجة الحق في حسن المعاشرة والملاطفة والإجمال

ما يعني العمل الجميل، وكما يطلب إليها الرجل أن تتزين له، ينبغي أن يتزين لها بالزينة التي تناسب الرجل، حتى يسرها ويعفها، قال ابن العباس: «إني لأتزين لامرأتي، كما تتزين لي»، كما قال رسول الله ﷺ: «كل شيئ ليس من ذكر الله لهو ولعب، إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الفارس لفرسه، وتبختر المحارب بين الصفين المتحاربين طالباً للمبارزة في سبيل الله، وتعليم الرجل السباحة».

رياسة الأسرة

لقد غرس الإسلام بين الزوجين روح المودة والمحبة، وأكد الإعلاء من قدرة المرأة، وأقام بينهما نوعاً من الحقوق والواجبات المتبادلة، فكل حق لأحد الزوجين علي صاحبه يقابله واجب يؤديه إليه، وبذلك تنمو الرابطة الزوجية، ويتحقق ميزان التعادل بين الزوجين، بما يكفل طيب الحياة، قال سبحانه: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ – سورة البقرة (228)»، وقد عقب الإمام محمد عبده علي هذه الأية تبياناً للمكانة التي وصلت إليها المرأة علي يد الإسلام، فقال: هذه الدرجة التي رفع اليها النساء، لم يرفعهن غليها دين سابق، ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده، ولا شريعة من الشرائع، وهذه الأمم الاوروبية، التي كان تقدمها في الحضارة والمدنية، أن بالغت في أحترام النساء وتكريمهن، وعنيت بتربيتهن وتعليمهن، لا تزال المرأة فيها، دون هذه الدرجة التي رفعها الإسلام إليها، ولاتزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف في مالها دون إذن من زوجها.

وقد كان النساء في أوروبا منذ خمسين سنة بمنزلة الأرقاء في كل شيئ، كما كان في عهد الجاهلية عند العرب، أو أسوأ حالاً، وقد صار هؤلاء الفرنجة الذين قصرت مدنيتهم، ولا أقول دينهم الذي جاء به المسيح عن شريعتنا في إعلاء شأن النساء يفخرون علينا، بل يرموننا بالهمجية في معاملة النساء، ويزعم الجاهلون منهم بالإسلام أن ما نحن عليه هو أثر ديننا.

كما ساوي الإسلام بين الرجال والنساء في جميع الحقوق، إلا في درجة الرياسة، وما يتصل بها، وقد أوضح الله ذلك في أية أخري فقال: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ»، ولا شك ان الأساس الذي يجب علي كل من الزوجين أن يستهديه في حياته، من حيث تبيان الحقوق والواجبات، هو عمل الرسول ووصاياه، ففيها إستقامة حياة الأسرة، فلقد قضي بين الإمام علي بن أبي طالب وبين إبنته فاطمة، حيث طلب إلي ابنته أن تقوم علي خدمة البيت ورعايته، وطلب إلي زوجها أن يقوم بما كان خارجاً عن البيت من عمل.

وبهذا التوزيع يتحقق التوازن الذي قرره القرأن في الأية الكريمة، وأحد الرسول عليه السلام يؤكد هذا التوازن، وهذه المساواة في أكثر من موطن، فهو دائماً يوصي بالمرأة خيراً، فهو يوصي بعدم وأدهن وقد بايعهن فقال: «أبايعكن علي ألا تشركن بالله شيئاً، ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين ايديكن وارجلكن، ولا تعصينني في معروف، قلن تعم فيما أستطعن»، وكان عليه السلام يقرأ عليهن قولة سبحانه وتعالي: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ – سورة الممتحنة (12)»، ويقول «من ابتلي من هذه البنات بشيئ فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها، كن له ستراً من النار»، رواه أبو داود في سننه والبخاري.

وتعد الدرجة التي أشارت إليها الآية الكريمة، ليست درجة السلطان والسيطرة، ولا درجة القهر والإستبداد، وإنما هي درجة الرياسة البيتية الناشئة عن عقد الزوجية، وضرورة الاجتماع، هي درجة القوامة التي كلف بها الرجل، وهي رياسة رحيمة قائمة على المودة والمحبة وهي درجة تزيد في مسئوليتها، فهي ترجع في شأنها، وشأن أبنائها، وشأن منزلها إليه، وتطالبه بالإنفاق، وتطالبه بما ليس في قدرتها، وما ليس لها من سبيل إليه، وهذه المسؤولية التي اسندتها الاية إلى الرجل، وقد قضت أن يتحمل عبأها، أساسها أمران، أشارت إليها الآية:

  • أحدهما: طبيعة الرجل التي تقضي القيام بمشاق الأمور، ومبعث ذلك ما أودع فيه من قوة البدن والعزم بخلاف طبيعة المرأة، فهي أشد عاطفة، وأقوى انفعالا، حتى لتسيطر عاطفتها تلك، على جميع نوازع حياتها، وقد فطر الله المرأة على هذه الصورة الوجدانية، حتى يكون لها من طبيعتها ما يساعدها على القيام بشئون وظيفتها الأساسية، من الأمومة، والحضانة، والتربية الرشيدة، وفي ذلك مظهر من مظاهر أنوثتها.
  • وثانيهما: الإنفاق فيما يحتاج إليه البيت من أمور المعيشة، وشئون الحياة، ولا يستقيم مع العدالة في شيء، أن يكلف فرد بالإنفاق علي هيئة ما، دون أن يسند إليه القيام عليها، والإشراف على شؤونها، وعلى هذا المبدأ قامت الديمقراطيات الحديثة، وقامت الدساتير المعاصرة.

ولعل في قولة سبحانه: «بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ – سورة النساء (34)»، دون أن يقول: «بما فضلهم عليهن»، إشارة واضحة إلي أن هذا التفضيل، ليس إلا كتفضيل بعض أعضاء الجسم الواحد علي البعض الأخر، وأنه لاغضاضة في أن تكون اليد اليمني أفضل من اليد اليسري ما دام الخلق الغلهي أقتضي ذلك.

المرأة والمشورة

ومع هذه الدرجة التي فضل الله بها الرجال على النساء، وتعيينهم مسولين عن القوامة فإن الإسلام أوصي بأن تشاطر المرأة الرجل في المشورة، فلا يفوتها برأي، ولا يعزلها عن الإستشارة عملاً بالمبدأ الإسلامي العام «َأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ – سورة الشورى (38)»، كما ينطبق هذا المبدأ على المجتمعات الكبيرة، فهو ينطبق على مجتمع الأسرة الصغيرة، فمثلاُ في حالة رضاعة الطفل، فقد جعل لها الإسلام حق المشورة، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ – سورة البقرة (233)».
فواجب الممنفعة محتم علي الزوج في مقابل حق الرضاعة، دون إرهاق للطرفين، أو إضرار أحدهما للأخر، وكما أقر الإسلام مبدأ الشوري، فقد أقر مبدأ التعاون، جرياً مع القاعدة العامة «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ – سورة المائدة (2)»، ولا ريب أن في مثل هذه المشورة، وهذا التعاون ما يوثق روابط المحبة، ويؤكد عري الحياة الزوجية، ويسدد الخطي، ويحفظ عقد الأسرة من الإنفراط.

حق المعاملة الحسنة، وكف الأذى عنها، والحلم عند طيشها وحماقتها وركوب عواطفها

أخذاً من قولة سبحانه وتعالي: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ – سورة النساء (19)»، والأمر هنا للوجوب، والمعاشرة بالمعروف تعني الإجمال في القول والمبيت والنفقة علي قدر الإستطاعة، وتقتضي الصبر علي إعوجاجها، لأنها خلقت من ضلع أعوج، فإذا شاء الزوج أن يقومه بالعنف، وأن يثقفه بالقوة، فإنه لن يصل إلي هدفه سوف تسوء العاقبة، وقد حذر الرسول صلوات الله وسلامة عليه من ذلك فقال: «أستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج، فإذا رمت تقويمة كسرته»، ولعل في هذا الحديث ابلغ وصية، وأوضح منهج، كما قال عليه السلام: «لا يفرك (أي يكره) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها أخر»، وإحسان العشرة، معني لا يجهله أحد، ولا يعجز عنه زوج فهو بالنظرة والكلمة، هو معني ينبعث من قلب الرجل بروح الحنين والمودة، فيملأ قلب المرأة غبطة وسروراً، وكذلك العكس ينبعث من قلب المرأةن فتملك به علي الرجل مشاعره وأحاسيسه، وينتشر منه أريج الإطمئنان النفسي، والسعادة والهناءة علي البيت.

ولا يفتأ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يوصي بحسن معاملة الزوجة، وحسن المعاشرة والمعاملة بطريق مباشر، أو بطريق غير مباشر، بالكلمة والقدوة الحسنة، فنستمع إليه وهو يوصي ويدعو في خطبة الوداع إلى وجوب تقوى الله في المعاملة، فيقول: «أخذ تموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً»، وننظر إليه كرة أخري وهو يضرب القدوة الحسنة، فيقول: «خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، حتى جذب هذا المنهج الكريم أنظار الاجانب، فهذا العالم الامريكي «وليك» يقول: «وقد برهن محمد علي أنه كان عظيم الرحمات لكل ضعيف، ولكل محتاج إلى المساعدة، وكان يعين اليتامى وأبناء السبيل المنكوبين، والضعفاء وجميع الفقراء، والعمال ذوي الكد والعناء، ولقد كان رحمه لجنس النساء، هؤلاء النسوة اللائي كن يعاملن في جميع بقاع الأرض من طرف كل دين، وكل نظام اجتماعي، وكل أمة من الأمم كـ الأمتعة والأثاث لا غير».

النفقة

وللزوجة الحق في السكن والكسوة والطعام، فمن أول واجبات الزوجة أن يتكفل الرجل بالإنفاق المعتدل علي زوجته، لا يقتر عليها، ولا يمسك يده عنها، ولا يبسطها كل البسط فيقعد ملوماً محسوراً في الحالتين:

  • حال التقتير: لأنها ستمد عينيها إلي زهرة الحياة الدنيا لدى الغير.
  • حال الإسراف: لأن هذا يطغيها، فلها ما يلزمها في معيشتها وفق العادة الجارية بين الناس.

وقد ذهب أحد الصحابة إلي النبي ﷺ، وقال له: «ما حق زوجة أحدنا عليه يا رسول الله؟، فقال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت»، رواه ابن ماجة.

ولا شك أن للزوجة في مقابل إحتباسها، وكونها مقصورة علي الزوج لا تتعداه إلي غيره، حق النفقة، وهذا الحق وجب لها بالقرأن، قال سبحانه: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ – سورة الطلاق (6)»، وإذا صحت النفقة للمطلقة، فمن باب أولي أن تصح للزوجة، ووجبت بالسنة النبوية، قال رسول الله في خطبة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف»، صحيح مسلم.

ووجب بالإجماع، فمنذ قيام الامة الإسلامية ويسلك المسلمون سبيل القيام بالنفقة على الزوجة في أثناء قيام الحياة الزوجية، ولم يخالف ذلك أحد إلا الظاهرية الذين قالوا: بسقوط النفقة عن الزوج المعسر، بل قالوا إن النفقة تجب له هو في حق الزوجة الموسرة.

للزوجة حق إحضار خادم

فلا يجب على الزوجة أي إنفاق، ولو كانت ذات ثروة وأرباح، بل إن الإسلام جعل للمرأة حق الخدمة، فلها أن تمسك يدها عن خدمة بيت الزوجية وخدمة أولادها، حتى ولو كان الزوج معسراً، فلا يستوجب الإسلام على الزوجة واجب القيام بخدمة البيت، وليس للزوج حق إكراهها على الخدمة، ولها أن تقوم بها عن تطوع وطيب خاطر، ورضاء نفس، وهذا ما ذهب إليه فقهاء المذاهب الأربعة وهم «أبو حنيفة والشافعي وأحمد»، بإستثناء «مالك»، الذي قرر وجوب خدمة الزوجة لبيت الزوجية في حالة إعسار الزوج، إلي أن يصبح الزوج قادراً علي دفع أجرة خادم، أو أكثر بحسب الضرورة التي تدعو لذلك.

ثالثاً: حقوق الأم في الإسلام

أعطي الدين الإسلامي الحنيف، للمرأة بإعتبارها أماً حق التكريم، والكلمة الطيبة والإحسان في المعاملة والنفقة والكسوة.

  • حق التكريم: وليس أدل علي ذلك من قوله سبحانه وتعالي: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿23﴾ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا – سورة الإسراء (23-24)»، ويشاركها في هذا التكريم الأب.
  • حق الرحمة: قال سبحانه وتعالي: « وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ – سورة لقمان (14)».
  • حق الصحبة: ويتضح لنا هذا، عندما نستمع إلي هذا الذي ذهب إلى رسول الله يستعلمه، قال له: «يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحبتي؟، قال: أمك، قال ثم من؟، قال: أمك، قال ثم من؟: قال أمك، قال ثم من؟، قال: أبوك»، رواه البخاري ومسلم وابن ماجة.
  • حق الرعاية: ويتضح لنا هذا، عندما نصغي إلي هذا الذي وفد إلى النبي ﷺ، فقال: «يا رسول الله، أريد الجهاد في سبيل الله، فقال له الرسول: أأمك حية؟، قال: نعم، قال: الزم رجلها، فثم الجنة».
قد يهمك أيضاً:

المرأة في الإسلام «التعظيم والتكريم».

ما هي شجرة الزقوم وأين تنبت ؟.

تعرف على طعام وشراب أهل الجنة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إنضم لنا على تيليجرام